20‏/08‏/2011

كيف نقرأ الحدث التاريخي ؟؟


تلعب صياغة الخبر دورا كبيرا في الانطباع الذي سينطبع في ذهن المتلقي، وذلك لأن أحاسيس ورؤية الناقل تمتطي المفردات المختارة, فتسوقها بما يصل إلى مقاصده وغاياته.
لذلك لا يكتفي المهتمون بقراءة الأخبار بمصدر واحد, بل تراهم يتابعون نشرات الأخبار في عدد من القنوات, المقروءة منها والمسموعة والمرئية, مع مراعاة اختلاف الجهة التي تسوق الخبر, وذلك لأن القنوات الإعلامية -للأسف- غالبا ما تكون تابعة لجهة ما، تخدم مصالحها وتوظف صياغة الأخبار بما يتناسب و أهدافها.
المؤرخون كذلك غالبا, لأنهم كانوا يلعبون نفس الدور في ذلك الزمن, فإذا ما رأينا قنوات الأخبار تغير معالم الخبر, إلى حد أنك ترى الخبر في قناة ما فتفرح, وتراه في غيرها فتبكي, والحدث لا يبعد عنك زمنيا سوى لحظات, ومكانيا سوى أميال, فما بالك بأحداث جرت قبل ألف من السنين أو يزيدون؟!
لذلك, لا يمكننا أبدا أن نكتفي في قراءة التاريخ بمؤرخ واحد, أو عدد من مؤرخين ينتمون إلى نفس الجهة الفكرية أو الدينية أو السياسية, إلا القليل القليل من أهل التجرد, وهم أيضا لا يتمكنون من الحيادية في كل شيء, بل علينا أن ننظر إلى أي قضية من جميع الأوجه التي نتمكن من النظر منها, وبعد ذلك, وبمراعاة المقاييس العادلة التي سنتها السماء في الحكم, نستطيع أن ندعي أن انطباعاتنا قد اقتربت أكثر إلى الصواب.
في السطور الآتية نقوم بإيضاح هذه الفكرة, عن طريق نقل حوار مجرد, وبعد ذلك, سنقوم بعرض الخلفيات الفكرية والتاريخية التي سبقت هذا الحدث من جهتين مختلفتين, لنرى بأم العين, كيف أن المؤرخ يقوم بدور يشبه دور مسؤول الإضاءة في الأعمال المسرحية, فيسلط الضوء على ما يريد, ويترك ما يريد خلف ستار الظلام.

أبو سفيان بن حرب يوم فتح مكة المكرمة

عن العباس عم النبي "ص" وهو يتحدث عن معسكر النبي يوم فتح مكة المكرمة - حيث كان أبو سفيان في المعسكر وقد استجار بالعباس- أنه قال: "فلما دخل رسول الله "ص" الصلاة كبر وكبر الناس، ثم ركع، فركعوا، ثم رفع، فرفعوا، ثم سجد فسجدوا.
فقال أبو سفيان: ما رأيت كاليوم طاعة!! قوم جمعهم من ههنا وههنا!
ولا فارس الأكارم! ولا الروم ذات القرون بأطوع منهم له!
يا أبا الفضل!! أصبح ابن أخيك والله عظيم الملك.
فقال العباس: أنه ليس بملك، ولكنها النبوة.
قال: أو ذاك؟!"

وقفة تأمل:
هذا المشهد, يمكننا قراءته من عدة زوايا, نصل بكل واحدة منها إلى نتيجة مختلفة عن الأخرى, وهنا سنكتفي بقراءته من زاويتين فقط, مع مراجعة الخلفيات الفكرية, والرواسب التاريخية التي ساهمت في صناعة هذا المشهد, وبعد ذلك سنتمكن من فهم هذا الموقف فهما صحيحا.

القراءة الأولى:
ما أعجب هذا الرجل, الذي جاء بدين جديد, يرفع فيه العبيد والأحابش إلى مرتبة الزعماء, ولا يفرق بين العرب الأعزاء, وبين البربر والعجم, ولا يضع أي اعتبار لما تحتويه خزائن التجار الكبار من أموال يمكن من خلالها شراء أي شيء, واستمالة أي قلب.
إنه لا يقيم اعتبارا لأرباب القوافل من العرب, ولا لشيوخ قبائلها, كما أن معاييره في التقييم مختلفة, فلا يهمه الثراء ولا اللون ولا الأصل, فالجميع عنده سواء!!
لقد طمع في السير خلفه الذين هم أراذلنا, والبسطاء, والعبيد, فهو يعلي أقدارهم, ويرفع من شأنهم, وهم أهل ذلة, لا يصلحون لشيء, إلا لخدمة علية القوم وتنفيذ أوامرهم فقط.
هو رجل غريب!
لقد عرضنا عليه أن يكون ملك قريش, وزعيم العرب, مقابل ترك هذه الدعوة, التي أفسدت عقول الناس, إلا أنه رفض ما لا يرفضه عاقل, ولا يصل إليه بجهده واصل.
وغلماننا الحمقى! لقد ضربناهم, وأذقنا جلودهم رمضاء مكة الملتهبة, ومرارة السياط الموجعة, وحرارة النار, إلا أن ذلك لا يزيدهم إلا عنادا وملاججة!
يا عبيد السوء! ألا ترون اللات والعزى! ألا ترون أساف ونائلة! ألا ترون هبل! إنها شامخة عالية, تركع أمامها العرب قاطبة, وتقصدها القبائل من كل مكان!
ونحن! ألا ترون أننا ننعم عليكم من فاضل طعامنا, بينما يربط محمد على بطنه حجر الجوع؟!
كيف تفضلونه علينا, وهو فقير جائع, ونحن أغنياء؟! وكيف تتركون آلهتنا, وهي شامخة أمامكم, موجودة يخضع لها الناس, بينما ربه لا يحس ولا يجس, ولا يغدق عليه من النعيم ما يجعله ملكا, ولا يرسل له جنوداً من الملائكة نراها؟!
لا فائدة منهم! فقد أغوتهم الأطماع, التي يسوقها لهم نبيهم, فيخدعهم بجنة وحور عين.
واعجباه!!
أبو طالب! شيخ البطحاء! صاحب الكلمة المسموعة! والرأي السديد! والعقل الراجح! وابن عبد المطلب!! كيف له أن يدخل في طاعة ابن أخيه؟! والحال أن محمدا كان يجب عليه أن يطيع عمه؟! كيف؟!
إن هذا يخالف الأعراف والخلق, بشكل سافر لا يحتمل السكوت!
ما الدافع يا ترى؟! الذي يدفع أبا طالب إلى الإيمان به, وإلى الاستماتة في الدفاع عنه؟! هل عند محمد ما ليس عند زعماء قريش؟! ألا يرى أخاه أبا جهل, كيف يتصدر أندية قريش؟! وكيف لا يجسر عليه أحد ؟! لماذا يترك عزته التي ورثها عن آبائه وأجداده؟!
مصعب بن عمير! ذلك الفتى المترف! الذي يعرفه المارة من رائحة عطره! ويحسده الشباب على جماله والخير الوفير الذي عنده! ما الذي يدفعه إلى دين محمد, وترك النعيم الذي هو غارق فيه؟! ما الذي يدفعه إلى تحمل العذاب والحبس والقيد؟! إن هذا لأمر عجاب!!
كيف تمكن محمد من خداعهم جميعا بأوهامه التي يصوغها لهم؟!
-علينا أن نتصرف! ونفعل أي شيء في سبيل إيقاف سيل الفساد هذا, الذي سيجرف الناس جميعاً.
-علينا مصادرة أموال من يتبعونه حتى لا نمنعهم من إعانته.
-لا! هذا لا يكفي! بل علينا أن نفعل أمرا أكثر صرامة!
-علينا أن نقتله! نعم. نقتل هذا الرجل – محمد – دفعا لما جاء به من فتنه أفسدت بيوتنا, وأفسدت علاقاتنا الاجتماعية, وجعلت الرجل منا في خلاف مع زوجته, ومع ولده ومع غلامه, وجاريته حتى! وهذا أمر غير مقبول!!
كيف يا ترى تمكن من الفرار وقد أطبقنا عليه الحصار؟! ألم نقل لكم إنه ساحر؟!
عجيب أمر أهل يثرب! المنشغلون في قتل بعضهم! كيف توحدوا كلهم تحت رايته, وقاموا بالهجوم على قوافلنا ونهبها! لماذا؟!
ما الذي وجدوه عند محمد يدفعهم إلى التعدي على قريش؟! قريش زعامة العرب الكبرى, وصاحبة النفوذ الأعظم بين العرب!
كيف لهم أن يهاجموننا بسعف النخيل والعصي والحجارة راجلين, فيلحقون بجيشنا الجرار أعظم الهزائم؟! ونحن الفرسان الشجعان أصحاب العدة والعتاد!
كيف لم نتمكن من قتل محمد في أحد؟!
كيف استطاع علي بن أبي طالب - وهو الشاب الصغير - أن يواجه الجيوش الجرارة بمفرده, وأن يدحرها؟! ألسنا أعمامه وبني عمومته؟! كيف يطاوعه قلبه على محاربتنا وقتالنا بهذه الشراسة, التي لا يمكن أن نراها إلا عندما يواجه العدو عدوه؟!
كيف له أن يرد علينا عندما قلنا: اعل هبل! اعل هبل؟!
اسمعوه يصيح: الله أعلى وأجل. الله أعلى وأجل!
لقد حقر من آلهتنا التي يعبدها العرب قاطبة, منذ مئات السنين! وهذه جريمة في حق ديننا, ودين آبائنا الطيبين.
إن محمدا هذا, استطاع - بسحره وقوة بيانه - أن يخدع الناس, من أجل الملك! نعم الملك! الذي يمتد على جزيرة العرب كاملة! وإلا ما الدافع الذي يدفعه إلى تجييش الجيوش وإرسال الكتب إلى القبائل يدعوها إلى دينه؟!
لكننا سنقف له بالمرصاد!
واعجباه!!
كيف لم تتمكن أحزاب العرب من هزيمة هذه الشرذمة, المحاصرة في يثرب, أو كما سماها محمد المدينة؟!
هم أبطال العرب, الذين لا قبل لأحد بهم, وحسبنا عمرو بن ود الذي يعد بألف فارس!
كيف استطاع علي أن يقتله؟!
اسمعوا محمداً يصيح: برز الإسلام كله إلى الشرك كله! انظروا كيف يخدع أصحابه بالكلمات الرنانة, والشعارات الزائفة!
إنه يدعي أنه مرسل من عند الله! ألم يجد الله أحدا من أغنيائنا أجدر منه بالرسالة؟! لماذا هذا الكذب, وخداع البسطاء من الناس بهذا الكلام المعسول, الذي يحرضهم فيه على عصياننا؟!
علينا أن نقوم بواجبنا في إبطال دعوته الجديدة!
انظروا إليه كيف يغسل وجهه, فيتهافت الناس على هذه القطرات!! والماء وفير!!
انظروا إلى صحبه كيف يكبرون إذا كبر, ويركعون إذا ركع, ويرفعون إذا رفع, ويسجدون إذا سجد, وكأنهم لا يفقهون إلا أوامره!
إنها طاعة لا مثيل لها, ولا مبرر لها إلا الخديعة! التي انطلت عليهم جميعا, فأطاعوه بما لم تطع به الشعوب الأخرى ملوكها!

"يا أبا الفضل!! أصبح ابن أخيك والله عظيم الملك."


هذا هو الواقع من وجهة نظر بعض أهل ذلك الزمن.
في القراءة الثانية سنقوم باستعراض نفس الفترة الزمنية, ولكن من زاوية تمثل وجهة النظر الثانية في الزمن نفسه.

القراءة الثانية:
ما هذه الحياة الحجرية المادية, القائمة على استغلال الضعيف, وتبجيل أصحاب الأموال, مهما كانت إنسانيتهم في الحضيض؟!
كيف لهذه العصابات, التي تتسلط على رقاب الناس, أن تمنح نفسها حق ملكية الإنسان؟! الإنسان الذي دخل هذه الحياة حراً, تماما كما دخلها غيره من الأحرار؟!
لماذا يعتبرون أبا لهب - الفاجر الذي لا خلق له ولا حمية - أفضل من بلال بن رباح, ذلك الفتى المتزن العاقل, الذي يحمل في نفسه طموح الإنسان, وطاقاته المتفجرة التي لا تعرف الحدود؟!
ألا ترون وجه هذا الرجل, كيف اسود عندما بشروه بالأنثى؟! ألـم تكن زوجته أنثى وأمه أنثى؟! انظروا إليه وهو يحفر لابنته حفرة, ويدفنها حية!! يا لقلبه الحجري, الذي لا يعرف غير الدينار والدرهم!! إنه لا يقدر حتى شعور زوجته وصاحبة حياته, التي عانت آلام الحمل والولادة؟!
انظروا إليه وهو يسحق كرامته, ويفسد عقله بشرب الخمرة!! كيف لأحد أن يقبل على نفسه الظهور أمام الناس, وهو يترنح مثل البهيمة المذبوحة؟!
ما أبشعها من حياة! هذه التي لا قلب لها, ولا ترق لأنين المظلوم, وتنظر إلى الأنثى على أنها أداة من أدوات المنزل, لا تعدو في - أفضل الحالات - أن تكون سلعة للبيع في السوق, أو سلعة للبيع بمهر كبير!
إن الحياة التي لا تقيم للروح والوجدان قيمة, والتي أصبح قلبها من الحديد, وجفت دماؤها من فرط ما انهمكت في عد النقود! إنها حياة لا تستحق الحياة!
إن الكون المظلم بحاجة إلى رشفة من النور تتقاطر في أفق المستضعفين الذين يحملون في وجدانهم آخر رمق للإنسانية.
ألا تسمعون؟!
إنه محمد بن عبد الله الصادق الأمين يدعو إلى دين جديد! يقول إن ربه خالق السماوات والأرض وهو ينزل (الغيث) من السماء ويصوركم في الأرحام كيف يشاء.
إن ربه خلق الناس سواء العربي والحبشي ويقول بأن ميزان التفاضل هو العمل على طاعته.
إن ربه يريد من الناس أن تكون علاقاتهم حسنة ببعضهم البعض قائمة على المحبة والمودة مهما كان الاختلاف فيما بينهم. أن يرفق بعضهم ببعض حتى المالك يجب عليه أن يرفق بمملوكه وأن يعامله بإنسانية لا أن يستغله أبشع استغلال كما يفعل هؤلاء.
إن ربه يأمر بالعدل وليس فقط العدل بل يأمر بالإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي.
إنها شمعة الأمل التي أوقدت في زمنٍ كادت القلوب تخلو فيه من الحب وكاد الإنسان أن يصبح جسدا خاليا من الإنسان, لا يعرف الحياة, لا يعرف الأمل, لا يعرف إلا الطول والعرض والارتفاع.
نحن نعرف محمدا في خلقه وتعامله فلم نجد منه السوء في خلقه ولا نعلم منه كذبا. حتى هؤلاء كانوا قبل قليل يسمونه بالصادق الأمين فكيف بهم عندما جاء بهذا الدين صاروا يرشقونه بالحجارة ويسمونه: الساحر المجنون الكذاب الشاعر؟!
لماذا يريدون إسكاته بأي وسيلة؟!
لماذا يعرضون عليه ملكهم وأموالهم؟!
لماذا أصبحت قريش في هذا الاضطراب؟!
لماذا يضربون غلمانهم الذين آمنوا به مع أنهم لم يعلنوا عليهم العصيان؟!
لماذا هذا العنف وكأنهم في حرب؟!
انظروا إلى سمية وياسر كيف ماتا تحت وطأة التعذيب الشديد!! يا لهذه القسوة!! انظروا إليهم وهم يجبرون عمار بن ياسر أن يثني على اللات والعزى وهبل!! هل يعتقدون أنه إذا نطق بلسانه ما يريدون فإن قلبه سيؤمن بما هم به يؤمنون؟!
يا لهذه السطحية في التفكير!!
كلا ! ليست السطحية وإنما هو العجز عن المادة عن الدخول إلى عالم القلوب وتغييرها.
هؤلاء لم يدركوا أن القلوب النابضة بالحياة هي المساحات الواسعة التي لا تضيق بالكون وآلامه وآماله. هي القلوب التي نجد فيها الله قد أجرى أنهار الحب والرحمة المفعمة بالري الروي.
لكن القلوب الحديدية التي في صدور هؤلاء لا تدرك لذلك معنى فهي تكتفي بلقلقة اللسان لأنها لا تفقه أعمق من ذلك.
انظروا إلى مصعب بن عمير كيف ترك الترف واستجاب لنداء قلبه وكيف أدرك بأن الحياة أكبر من الزينة والبخور والطيب! وكيف تحمل من أجل المبدأ كل ما صبوه عليه من عذاب وكل المحاولات التي تكرست في سبيل سحق شخصيته وما يزال متمسكا بما جاء به النبي من تعاليم إنسانية نازلة من ساحة الله المفعمة بالخير للإنسان.
ليست هذه الاستجابة استجابة الأحمق بل هي تلبية لنداء القلب الذي أحياه حب الله فلم يعد الجسد ذا قيمة يستحق من أجلها التهرب من الحق والبقاء في مستنقع الأباطيل.
انظروا إلى جعفر بن أبي طالب ومن معه من المؤمنين كيف اختاروا حريتهم الفكرية وتركوا ديارهم ديار العرب وهاجروا إلى الحبشة تلك البلاد التي يحتقر العرب أهلها ويعتبرونهم عبيدا دون مستوى العرب!
لقد قامت هذه المجموعة بكسر كل الحواجز النفسية والاجتماعية المقيتة التي بناها طواغيت مجتمع قريش!
واعجباه!! انظروا إلى زعامات قريش كيف أصابها الذل وقامت بإرسال الهدايا إلى ملك الحبشة من أجل إرجاع أبناء عمومتهم وسحقهم وقتلهم؟! انظروا كيف أصاب قلوبهم العمى ونكسوا قيمهم التي توارثوها عن آبائهم من إجارة المستجير وإكرام الضيف فطلبوا من النجاشي تسليم جعفر ومن معه من أجل إفساد مشروع النبي محمد الذي جاء لهم بعز لا عز بعده لو أدركوه؟!
لكنه الطغيان في الأرض والتمسك بالمصالح إلى الرمق الأخير.
هذا ما لم نتوقعه!! لقد خرج محمد من أحب البلاد إليه! لقد خرج من مكة المكرمة فارّاً بدينه تاركا وطنه وأهله الذين كادت تذهب نفسه عليهم حسرات!
ها هو علي بن أبي طالب الذي ذاب في محبة أخيه وابن عمه يبيت في فراشه فداء له! إنه معرض لأسياف مشرعة تريد أن تنقض على جسد محمد فتفتك به كلها وتجعل دمه موزعا بين القبائل!
إن هذا الموقف يدل على قلب عامر بحب الله وطلب مرضاته وليست هذه الطاعة برجاء فائدة أو منفعة إلا إرضاء الضمير وخدمة الحق والقضية الإسلامية حتى بتقديم الأرواح لأن من أراد الحياة فعليه أن يطلب الموت وهذا ما لم يفهمه زعماء قريش.
لقد تغيرت الموازين في جزيرة العرب كلها. فهاهي قريش قد أصيبت بالهزائم وهي ذات الجحافل والجيوش! وأمام من؟! أمام فئة قليلة لا تملك من العتاد ما يكفي للقتال لكنها تحمل في قلبها الإيمان بقضيتها وهنا يكمن سبب النصر وسبب الطاعة التي يبذلها المحيطون برسول الله في تنفيذ أوامره واجتناب نواهيه.
ليسوا بالمغفلين كما حاولت قريش تصويرهم. هم ينطلقون من وعي وفهم وإدراك لما هم يقدمون عليه وطلبا لرضا الرب الذي بيده ملكوت كل شيء.
وهاهم الآن يدخلون إلى مكة المكرمة دخول الفاتحين وهاهو قائد القوات المسلحة من قريش والتي تلطخت أياديها بدماء الكرام من أصحاب رسول الله أمثال حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير وحنظلة غسيل الملائكة الذي ترك الحياة صبيحة زفافه وذهب إلى الجهاد وقدم نفسه في سبيل الله.
إنه أبو سفيان قد نكس رأسه الذل وقد جاء به الخوف من الموت فخضع للدين وهو لم يؤمن بالله طرفة عين ولم يتمكن عقله الضيق من إدراك فلسفة هذه الدعوة فهو لا يرى ما وصل إليه النبي إلا ملكا.
نعم إنه الملك في وعييه! ألا تسمعونه يصيح

"يا أبا الفضل!! أصبح ابن أخيك والله عظيم الملك."

النتيجة:

لقد لاحظنا كيف تختلف الآراء في الحادثة نفسها وكيف يجب على القارئ أن يتعدد في قراءته للأحداث.
وهنا لا أعتقد أننا بحاجة إلى ذكر نتيجة نستخلصها من خلال هاتين القراءتين إلا أننا نجد في الأفق سؤالا:
هل من العدل أن نجعل من حملة الرأي الأول وحملة الرأي الثاني طرفين متساويين في قضية واحدة؟!
أنا كإنسان أعتقد أن أبلغ جواب على هذا السؤال سيكون ما قال علي بن أبي طالب: مازال الدهر بي حتى أصبح يقال علي ومعاوية.



يوسف حسن اليوسف النمر
6 \ 5 \ 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق