27‏/11‏/2011

إلى الرواديد : هل سنترك الهبوط

امتنعت لعدة سنوات من كتابة هذا الموضوع لخوفي من عدم قرائته بوعي .. والإغراق في حالة من تقديس لغير المقدس .. لكنني هذه المرة رأيت أن الساحة أكثر وعياً وهذا ما شجعني لكتابته.
لست من متابعي الإصدارات الجديدة منذ زمن بعيد .. لسبب شخصي وهو ذوقي الذي ينقطع لأمثال الكبير حمزة الصغير .. ذلك الجيل الذي كنا نسمع منهم قصائداً تكفي لتربية جيل يعي قضية الحسين.
فعندما تسمعه يقول:
سورة التوحيد تحرير العقول.. ثورة إنسانية فجرها الرسول
هي دستور حياتي .. هذه معتقداتي
وبها العدل استقام .. هذا ديني
عندما تستمع إلى هذه الأنفاس الطاهرة التي تأخذك فيها الكلمة برونقها إلى معانٍ راقية سامية .. فإنك تستشعر القضية والمبدأ وتتعلق بأصحابه أهل البيت عليهم السلام.
أما هذه الأيام فإنك تقف على باب حسينية وأنت خارج فترى شاباً تهتز سيارته بأغنية ما .. فتذهب لنصحه فيقول لك بكل أريحية .. هذا شريط حسيني جديد ..
لقد وصل الذوق العام للكثير من الرواديد إلى مستوى أصبحت المؤثرات الصوتية هي الطاغية على عملهم .. بغض الطرف عن هبوط مستوى القصائد التي أصبحت تعبر عن عاطفة فارغة .. تجدها تتكلم عن سهر الليل وجمال الخد والعين والوله والعشق .. وتترك المضامين العالية التي استشهد من أجلها أبو الأحرار .. لذلك فاللوم يقع على عاتق الشعراء أولاً .. لأنهم الأساس الفاعل في الحركة العزائية التي ينبغي أن تكون حالة تعبئة بالحزن .. وينبغي أن تكون حالة من الوعي لهذه الثورة .. وليست مجرد أصوات تسد الفراغ .. 
والمشكلة ليست في شح القصائد .. فالدواوين زاخرة بالقصائد التي تكفي لثمانين سنة من الأشرطة الممتازة .. ولكن المشكلة في القوالب التي يفرضها البعض بحيث يريد قصيدة تتناسب مع هذا اللحن .. إن التمحور حول الألحان هو العمود الفقري لحالة الهبوط تلك.. مما جعل أكثر الرواديد يقعون في شيء يشبه كتابة العقد مع بعض الشعراء غير الواعين في قصائدهم للحالة الحسينية المطلوبة.
كما أن الكثير من الشعراء المعاصرين يكتبون - بلا مبالغة - بمستوى لا يقل عن الماضين .. بل إن أدناه هو ما انتهى إليه السابقون، إلا أن عدم تناسب قصائدهم الإبداعية مع الألحان التي يريدها بعض الرواديد تحول دون اختيارها.
ومما ألفت نظري أن الإنشاد الديني لدى المسيحيين غالباً ما يمارسه رجال الدين .. وفي تصوري أن هذه الحالة ترمز إلى وعي كبير لديهم بدور الإنشاد في التعبير عن القضية الدينية .. بعكس ما وصلنا إليه - للأسف - من وضع صار كل من يمتلك برنامجاً منزلياً لهندسة الصوت شاعراً مخضرماً ورادوداً بارزاً.
ولو أن الحسين كان عند النصارى لرأيتهم بالإنشاد والإنشاد فقط يستقطبون الكون .. ولقد قال قائلهم: لو كان الحسين لدينا لحكمنا العالم

هناك تعليقان (2):

  1. أحسنت بوسلمان

    ردحذف
  2. لي وقفة وتعليق على ما ذكرت اعلاه اخي العزيز, نقاط للتوضيح, ونقاط لتبيان الحالة, وايضا لتأكيد بعض ما ذكرت, لي عودة ان شاء الله, فاشكرك

    ردحذف